مقالة بعنوان “العلاقة المعقدة بين الخط العربي والتكنولوجيا”

العلاقة المعقدة بين الخط العربي والتكنولوجيا

12 يونيو 2020
ربى عبيد و حبشي الشمري

جدة / الرياض: الخطّ العربيّ جزء لا يتجزّأ من الحضارة الإسلاميّة. يشكّل المكوّن الفنيّ جزءًا لا يتجزّأ من جميع جوانب التّعبير الثقافيّ العربيّ.
على الرغم من أهميته في الفنّ والثقافة الإسلاميّة، يتبيّن أنّ شعبية الخطّ العربيّ في انخفاض بين الناس. ويمكن عزو هذه الحالة لعدد من الأسباب، لعل الأكثر بياناً هو الافتقار إلى التّرويج والتّمثيل البصريّ للّغة العربيّة في أدوات التكنولوجيا الحديثة – ومن أهمها: الإنترنت.
بغضّ النظر عن سبب تناقص الإقبال الشعبيّ وتقديرالمكون الفني في العالم الحديث، فإنّه مع ذلك يستمرّفي البقاء في شكله الكلاسيكيّ.
تنبثق أهمية الخطّ العربيّ من ارتباطه بالقرآن الكريم، بحسب د. نصار منصور (dr.nassarmansour@) ، وهوفنّان أردنيّ فلسطينيّ وخطّاط يقوم بتدريس الخط الإسلامي والمخطوطات القرآنيّة في كليّة الفنون الإسلامية والعمارة في جامعة العلوم الإسلامية العالمية في عمان ، الأردن.
وقال إن الطبيعة القدسيّة للقرآن الكريم أجبرت العرب على إعادة تصميم نصوصهم وتجميلها، مما وفّر الزخم الأولي لتطوير المكوّن الفنيّ في القرن السابع. وكان للتكنولوجيا الحديثة تأثير ضئيل على الأشكال الكلاسيكية للخط العربي الذي، كما يعتقد علاف، سيبقى وثيق الصّلة بسبب ارتباطه القويّ بالنّص المقدّس.
وأضاف: “ومع ذلك، فإنّ الجانب الوظيفيّ للخطّ قد انحسر بلا شك” منذ ظهور المطبعة.
العلاقة بين الخطّ العربيّ والقرآن الكريم تعني أنّ ممارسته هي في المقام الأول تجربة دينية، مما تطلّب تطوير مجموعة من القواعد على مرّ القرون فيما يتعلق بالصّبر والانضباط الذاتيّ. تُعرف هذه القواعد مجتمعة باسم (الآداب) بين الخطّاطين، وهي إلزامية الاتّباع للمعلمين والطلاب على حد سواء.
سراج علاف (sirajallaf@)، فنّان ومهندس سعودي، درس الخط العربيّ في المسجد الحرام بمكّة المكرّمة تحت إشراف الخطاط الشهير(إبراهيم العرافي). وبعد سنوات من التدريب، حصل على إجازته في الخطّ التقليديّ. وقال إن دراسة الخطّ بهذه الطريقة هي تجربة تعليميّة غنيّة ومجزية ، وخاصة للشّباب.

وقال علاف: “لقد تعلّمت من أستاذي دروسًا في الحياة لا نهاية لها “. “أقول دائمًا إنّني تعلّمت منه كلّ شيء، ويأتي الخطّ العربيّ في آخر القائمة.”
وأضاف أنّ الخريجين في الخطّ الكلاسيكيّ يصبحون في بعض الأحيان “متواضعين للغاية” في نهجهم في الحياة، ممّا يعني أنهّم يفوّتون فرص النّمو ويفشلون في الحصول على التّقدير العام الذي يستحقونه.

وأوضح أنّ “ارتباطهم العاطفيّ الكبير بفنهم لا يسمح لهم بالاستثمار في مواهبهم، لأنّهم يمتنعون عن استخدامه لكسب المال”. “إذا نظرنا إلى أنماط فنيّة أخرى، مثل التصوير الفوتوغرافيّ، نجد أنّ الفنّانين اختاروا بالفعل هذا الطريق لكسب المال في المقام الأول.”
للمساعدة في رفع شأن الفنّ، أسّس علّاف “حروفيات”، أوّل منصّة سعوديّة للخطّ العربيّ، والتي يعمل من خلالها بعض أفضل الخطّاطين في المملكة للتّرويج لها من خلال ورش العمل، الفعاليات، الدورات عبر الإنترنت، وصناعة الأعمال الفنيّة اليدويّة والرقميّة وتقديم خدمة الاستشارات الفنية.
وقال: “إن تجميع نخبة من الخطّاطين كان تحدّيًا لأنّ البعض منهم كان قلقاً من فكرة كسب المال من خلال فنّهم. ويعتقد أنّ معظم الخطّاطين يعتمدون نهجًا محافظًا على التجارة وتبني التقنيات الحديثة ويتجنّبون استخدام التكنولوجيا خشية فقدان “روح” فنهم الذي يعتبرونه مقدساً.”
يعتقد العديد من الخبراء، بما في ذلك علاف، أنّ جذور هذا التردّد في تبني الابتكارات الحديثة يمكن إرجاعها إلى أيام الحكم العثماني، حيث كان هناك تأخير في اعتماد تقنية الطباعة نتيجة لمقاومة من الجانب الديني.
في الوقت الذي عزّزت الإمبراطورية العثمانية السلطة من عاصمتها القسطنطينية، اكتسبت تكنولوجيا الطباعة، التي كانت شائعة في جميع أنحاء أوروبا، في وقت مبكر يصل لعام 1453. ومع ذلك ، لم يبدأ العثمانيون في الطباعة رسميًا حتى عام 1726 ، عندما افتتح )إبراهيم متفرّقة) محل طباعة بمباركة السلطان أحمد الثالث والسلطات الدينية.
لذلك ، لم تبدأ الطباعة في الحصول على موطئ قدم في العالم العربي والعثماني والإسلامي حتى القرن الثامن عشر ، بعد حوالي 400 عام من انتشارها السريع في جميع أنحاء أوروبا. كان لذلك تأثير طويل الأمد لتأخير اندماج التكنولوجيا -المتطورة باستمرار- لتلبية المتطلبات الجمالية المخصّصة للخطّ العربيّ.
عندما بدأ استخدام تكنولوجيا الطّباعة الجديدة فعلياً في الانتشار، بدأ الخطّاطون التقليديون يفقدون وظائفهم في الصحف والمجلات وأشكال النشر الأخرى. ولم يكن لدى الكثير منهم المهارات البديلة ولا الأدوات اللازمة للتكيّف وتوجيه تجربتهم في اتجاهات جديدة.
ونتيجة لذلك ، أصبح جمال الخط العربي -الذي لا مثيل له- منفيًا في الغالب للمعارض الفنية والمتاحف في جميع أنحاء العالم.
يعتقد الدكتور عبد الله فتيني رئيس الجمعية العلمية السعوديّة للخطّ العربيّ، أنّ العامل الآخر لانخفاض تقدير الخط العربي ، خاصة بين جيل الشباب ، هو تزايد شعبية الخطوط التي يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر والتي يستخدمها الآن معظم الناس.
وأضاف أن هذه الفجوة بين الجماهير الحديثة والشكل الكلاسيكي للفنّ قد ثبّط الخطّاطين العرب عن تجربة الأدوات الرقمية، اعتقادًا منهم بأنّ نهجهم التقليديّ في الشّكل الفنيّ هو أنقى تعبير عن الروح الإسلاميّة.
ووافق علّاف على هذا التحليل قائلاً: “تخشى المدرسة الكلاسيكية، خطأً، من أنّ التكنولوجيا ستنسف تقاليدها. لا يمكن فقدان المهارة الأساسية ومبادئ تدريسها أو القضاء عليها.”
“يخشى البعض قبول حقيقة أنّ العديد من التقنيات التي كانوا يمارسونها منذ سنوات يمكن القيام بها الآن بضغطة زر.”

يعتقد الخطاط / زكي الهاشمي (hattatzeki@)، الذي درس للإجازة التقليدية في تركيا، أنّ المدرسة الكلاسيكية يجب أن تتغير وتتكيف مع متطلبات العالم الحديث، وتبني استخدام التكنولوجيا الجديدة. وأشار إلى أن أدوات الخط التقليدية تطورت مع مرور الوقت.
وقال “بعض الجوانب كانت أقل تأثراً بمرور الوقت، كالتّصوير الأساسيّ لكلّ حرف ورسمه”. “لذلك، فإن النسبة الذهبيّة والهندسة للشّكل العام للكتابة العربية هي العوامل التقليدية الوحيدة التي يجب أن نقلق بشأن الحفاظ عليها”.
يتفق علاف والهاشمي على أن التكنولوجيا الحديثة لا تشكل أي تهديد لتقاليد الخطّ الكلاسيكيّ.
وقال الهاشمي: “إن التكنولوجيا هي ببساطة وسيلة لزيادة تطوير الفنّ والترويج للثقافة، وليست غاية في حدّ ذاتها”.
وقال علاف إنّ الخطّاطين يجب أن يعملوا مع المصمّمين والمطورين لتحسين الأدوات التقنية المتاحة، وأنّ هذا التعاون مطلوب لأنّ “الجهود الفرديّة لم تعد فعالة”.

كان د. منصور منفتحًا أيضًا لاستخدام التكنولوجيا الجديدة لكنّه شدّد على أن أيّ انخراط للخطّ العربيّ مع التكنولوجيا الحديثة يجب أن يتم من قبل متخصّصين على قدر من الفهم للفن وقيمته، ويقدرون الجوانب الروحيّة والجماليّة.
من المفارقات أنه في حين كان هناك تردّد طويل في تبني استخدام التكنولوجيا الحديثة في الخطّ العربيّ، قد تساعد وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حدّ ما في إحياء شكل الفنّ الكلاسيكيّ وزيادة شعبيته بين فئة الشباب. وقال منصور وعلاف أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ، والأدوات الحديثة الأخرى الموجودة تحت تصرفهم، تسمح لهم بتعليم الطلّاب في دول أخرى ونشر المعرفة وتقدير الفن إلى جمهور واسع إلى حدّ لم يكن من الممكن تصوره قبل الثورة الرقمية.
ومع ذلك، فإنّ القيم الروحانيّة الجوهريّة للخطّ العربيّ، من خلال ارتباطه بالنّصوص المقدّسة، هي التي تستمرّ في تشجيع الشباب على استكشاف أسراره نتيجة لتجاربهم الشخصيّة.
يستخدم الهاشمي أيضًا وسائل التّواصل الاجتماعي لمشاركة دروس الخطّ العربيّ ومناقشة المكوّن الفنيّ مع المتابعين.
وقال: “على الرغم من أنّني أفهم أنّه ليس كلّ النّاس يرون النّصّ كما يفعل المحترفون، أحاول تقديم محتوى متنوع يناسب جميع شرائح المجتمع”.
وقال منصور إنّ اللوم على تراجع الوعي بالخطّ العربيّ وشعبيته يتقاسمه الكثيرون، بما في ذلك المؤسّسات الرّسميّة والمعلّمين والفشل العام في تعزيز الوعي الثقافيّ بالمكوّن الفنيّ.

وأضاف أن الخطّاطين مسؤولون أيضاً عن هذا الّلا وعي السائد حول المكون الفنيّ وقيمته الجماليّة.
هناك اتفاق عام على أنّ السبيل الوحيد لاستعادة المرتبة الاجتماعيّة والثقافيّة وقيمة الخطّ العربيّ هو من خلال المشاريع المؤسسية طويلة الأجل، بدعم حكوميّ. ولذلك، وكخطوة مهمة كان إعلان وزير الثقافة السعوديّ الأمير بدر بن عبد الله في يناير من عام 2020 أن عام 2020 هو “عام الخط العربي”. ومن الخطوات البارزة الأخرى التي اتّخذتها المملكة إنشاء مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخطّ العربيّ في المدينة المنوّرة ، والذي سيشمل متحفًا وقاعة عرض ومعهدًا مخصّصًا للفن.
قال العلّاف: “أي شخص مبدع، سواء كان عالمًا أو فنانًا ، بغضّ النّظر عن مجال عمله ، يحتاج إلى قرار سياديّ وقويّ ليكون له صوت بارز وللحصول على حقّه في الاهتمام الشعبيّ”.

وأضاف الهاشمي: “هذه المشاريع العملاقة تبقى مبادرات مهمة لا تفيد الوطن وشعبه فحسب بل تخدم العالم العربيّ والإسلاميّ على نطاق أوسع”.
ودعا فتيني الأشخاص الذين لديهم موهبة الخطّ العربيّ، في أشكاله الكلاسيكية والحديثة، للاستفادة بشكل جيّد من مهاراتهم والعمل بجدّ لصقلها. وقال: “هناك العديد من المهام التي يجب على الخطّاطين العرب ومبرمجي البرمجيات العربية القيام بها لتحسين شكل وهيئة الحروف العربيّة لمستخدمي الكمبيوتر”.
كما سلط الضوء على أهمية تقديم دروس خطيّة جديدة ومصمّمة بشكل جيد في المدارس لتطوير الكتابة اليدويّة للتلاميذ وتشجيعهم على استكشاف وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

 

رابط المقال المنشور بموقع عرب نيوز باللغة الانجليزية
https://www.arabnews.com/node/1688951/saudi-arabia
تواصل معنا واتساب
1
تحتاج مساعدة؟؟
أهلا بكم في حروفيات
كيف نقدر نخدمكم؟؟